بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا غفر الله تعالى لآدم بعد عصيانه و لكن لم يغفر لإبليس و لعنه إلى يوم الوقت المعلوم. في حين أن ابليس كان قد عبد الله ستة آلاف سنة و آدم كان حديث الخلقة.
الإجابة:
أولاً عندما قال ابليس بأنه لا يريد السجود لآدم ،رب العالمين طلب منه السبب بقوله تعالى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)
فكانت إجابة الشيطان (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) هذه الإجابة تدل على الرؤية الضيقة للشيطان للأعراض للطين و النار و لم ينظر إلى الهوية التامة و عظيم خلقة الإنسان التي هي معجون عالم النور و العقل و المادة إشارة إلى قول الامام علي عليه السلام (وَتَـحْـسَبُ أَنَّـكَ جِـرْمٌ صَـغِـيرٌ وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ)
ثانياً ظن إبليس بأنه أعلم من الله و اعتبر الله قد أخطأ في حقه.
وأيضا لم يستسلم بقضاء الله لأنه لا يعتقد بحكمة الله وعلمه. و هذا عكس منهج الإسلام الذي هو التسليم بقضاء الله و قدره و أوامره و نواهيه لعلم الله و حكمته.
ثالثاً: الشيطان لم يطلب سببا من الله لسجوده لآدم مع علمه بان السجود هو وسيلة الاقتراب إلى الله فهو من سكان السماء العالم بحقيقة السجود الدال على القربة لقوله تعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب) بل اعتبر نفسه فهمها بدون سؤال و هذا يدل على الكبرياء. و المتكبرون في النار إنساً كانوا أم جنا لقوله تعالى فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٢٩ النحل﴾.
و لهذا قال الله تعالى له أنك لا تستحق أن تكون في الجنة فالجنة ليست مكاناً للمتكبرين (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)
رابعاً: بعد ذلك لعنه الله تعالى أي طرده من رحمته لعلمه الأزلي بعدم توبته و قد أثبت ابليس ذلك بنفسه بتحديه (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فأعطاه الله تعالى ما طلب بقوله ( قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ) و هو لم يطلب التوبة و الا لكان رب العالمين قد غفر له ذنبه بل طلب فرصة لإغواء البشر.
خامساً: بعد كل هذا اعتبر أن الله أغواه و ليس أنه المخطيء (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أي لم يفهم بعد كل هذه العبادة التي عبدها ، الكمال و الل تناهي الإلهي و أنه كل يوم في شأن لأنه جزم بأن الله أقدم على الإغواء و الظلم و العياذبالله.
سادساً: أظهر نواياه السيئة الدفينة و حسده و تمنيه الشر و كبريائه فعبادته لم ترفع من مستواه الروحي بل لعلها كانت كعبادة الخوارج لا تتعدى الحناجر. تأمل في هذه الآيات كم من الصفات الرذيلة التي اجتمعت في داخله (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ). فهو مستمتع بالشر لا طالب للخير.
سابعاً: رب العالمين لم يُنزله من الجنة في نفس الوقت بل أعطاه فرصة ثانية للتوبة بدليل أنه كان موجوداً في الجنة عندما ذهب إلى آدم و حواء. فبدلاً من التوبة بدأ بتنفيذ نواياه فأوصلها من التمني إلى الفعلية الخارجية (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) هنا تُظهر الآية الكذب و الخبث و عدم التراجع عن الكبرياء بل الاصرار على تحقق فعلية الذنب في الخارج
ثم أقسم بالله كذباً (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ).
و هنا عندما أصر على الصفات الرذيلة حتى صارت ملكة في نفسه ثم أخرجها من كونها نية إلى الفعلية الخارجية ثم أعماه الكبرياء عن طريق الرجعة فلا يتراجع متكبر عن عمل قط لأنه لا يرى نفسه مُخطأً بل دائماً يظن الآخرين هم المُخطؤون في حقه و لذلك لعنه الله أي طرده من رحمته إلى حين انتهاء تحديه و هو (يوم الوقت المعلوم) أو (يوم يُبعثون)
أما آدم و زوجته لماذا عفى الله عنهما ؟ لأنهما بمجرد الخطأ اعترفا بالذنب و لم يُصرا على الخطأ و لم يُصبهما داء العجب و الكبرياء و طلبا العفو و المغفرة في نفس الوقت ( قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) و تقول بعض الروايات أن آدم عليه السلام بكى فترة طويلة و بعض الروايات تقول بكى سنين طلباً لغفران الله.
ثامناً : العمل الذي صدر من آدم كان بسبب النسيان و ليس بسبب المعرفة بالخطأ ثم الجرأة على الإقدام على المعصية كما فعل ابليس لقوله تعالى وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ
و عندما سألت والدي لماذا النسيان وارد فقط في حق آدم ؟ و لم يقل رب العالمين نسيا
قال والدي لأن الأمر في البداية بصريح العبارة كان لآدم : (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٣٥ البقرة﴾
و لهذا حتى في التوبة الخطاب موجه لآدم لأنه كان المسؤول: فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ.
ملخص البحث :
١- لم يعاقب الله تعالى ابليس فوراً بل طلب منه تقديم سبب لعدم الرضوخ لأوامره
٢- أظهر ابليس عدم فهمه للتوحيد و الكمال و اللاتناهي عندما جزم بأنه أعلم من الله ثم نسب إلى الله تعالى الظلم و الغواية و العياذ بالله.
٣- اعطى الله تعالى لابليس مع كل ذلك فرصة لكي يتوب و لكنه طلب التحدي بدلاً من التوبة
٤- أخرج ابليس نواياه الشريرة من النية إلى الفعلية عندما كذب على آدم ثم أقسم بالله كذباً
٥- ابليس لم يفهم خطأه لكبريائه و المتكبر في النار انساً كان أم جناً لقوله تعالى فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٢٩ النحل﴾ لأنه يقف في مكانه ثم ينحدر لظنه بأنه أفضل من الجميع.
٦- كانت سبب خطيئة آدم النسيان و كذب ابليس عليه. لكن جريمة ابليس كانت الإقدام على المعصية بعد المعرفة بأوامر الله تحدياً و كبرا
٧- طلب آدم الغفران و ابليس بعد كل هذه السنين لم يطلب العفو و المغفرة.
أتمنى أني كنت قادرة على توصيل الفكرة بطريقة سهلة.
هدى شبيري الخاقاني