اختلف العلماء على مر التأريخ في عقاب السارق و السارقة فعلى رأي أغلب الشيعة تُقطع يد السارق من الأصابع فقط و يبقى الكف حتى يستطيع أن يتوضأ و يعبد الله و يقضي حاجاته.
أما على رأي غالبية أهل السنة والجماعة فتُقطع الكف بأكملها من المفصل ثم توضع في زيت مغلي حتى تتسكر العروق ولا ينزف للموت.
إنتبه أنه لم تكن في تلك العصور مضادات حيوية فأغلب الجرحى كانوا يموتون بعد الحروب فحتى فرضية قص عضو من جسم انسان مسلم مع إمكانية تعرضه للبكتيريا و موته كانت واردة. فهل برأيك قد يضع الله حداً للسرقة قد يصل إلى الموت؟.أترك الإجابة لك
و هناك من العلماء الذين قالوا بأن القطع لا يعني القطع الحسي و لكن تُقطع يده أي قوته و هيمنته عن مال المسلمين و ذلك بالسجن لتأديبه و كف أذاه عن المسلمين.
أما أدلة السنة و الشيعة فأنت تعلمها حسب مذهبك و هم يعتمدون الروايات التي وردت عندهم كلٌ على حسب رواياته و لكن أريد أن أدرج هنا الرأي الثالث بأدلته و هو أيضا مسنود بأدلة عقلية و قرآنية. و سأذكر قبل ذلك من هو السارق؟ و ما هي الشروط لتطبيق الحد الجزائي عليه.
السارق قالوا من سرق ربع دينار ذهبي و الدينار الواحد حاليا 4,25 غرام من الذهب 21 قيراط، تقدر قيمته حوالي 140 دولارًا أمريكيًّا و ربعه ٣٥ دولار تقريباً
هل برأيك يُعقل أن يسرق شخص ٣٥ دولار ما يعادل131 ريال سعودي و يكون جزاءه قطع يده؟ أترك الإجابة لك هنا أيضاً
أما شروط السارق لتطبيق الحد عليه فهي إثنا عشر شرطاً
١- البلوغ،و قد اختلفوا أيضا في عمر البلوغ و له بحثه
٢- : العقل أي لا يكون مجنوناً.
٣- الاختيار، أي لا يكون مجبراً علي السرقة.
٤- أن يكون قد سرق من حرز، أي من صندوق عليه قفل و له مفتاح فكسره و أخذ المال و أن يكون الهاتك للحرز نفس السارق أي هو بنفسه يكسر الصندوق و يأخذ المال ليكون دليلا على عدم حاجته..
٥- أن يكون عالماً بالحدود لا جاهلاً أي يعلم حد السرقة القص و يُقدم عليه بمعنى ان العلماء قد قاموا بتمام وظائفهم من بيان الشريعة بتمامها لا مقصورا على العبادات و المعاملات.
٦- أن لا تطرأ أي شبهة في السرقة فقد وردت روايات تقول ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم، فلو حصل أي شك أو شبهة للقاضي، فلاحدّ عليه.
٧- أن يصل إلى حد النصاب و هو كما قلنا ربع دينار ذهبي ١٣١ ريال سعودي حالياً.
٨- أن تكون السرقة بالخُفية و السر لا علناً ،أي أن لا يكون الشخص نسى حاجته في الشارع مثلاً فأخذها السارق علناً.
٩- أن يُطالب المسروق بقطع يد السارق ولا يعفو عنه.
١٠- أن لا يكون السارق جائعاً فيسرق حتى يُنقذ نفسه أو أهله من الهلاك.
١١-أن يكون القطع على يد نبي أو ولي أو معصوم أو حاكم عادل ( إنتبه أنه لا يوجد حاكم عادل من ١٤٠٠ سنة إلى الان) فكلٌ من بني أمية و بني العباس إلى حكامنا الحاليين لا يمثلون رسول الله (ص) و لا شريعة رب العالمين.
١٢- أن تثبت عليه السرقة بإعترافه على نفسه بلا دوافع خوف و وعيد أو شهادة رجلين عدول (تأمّل أن حتى الرجال العدول قلائل على مر التأريخ )
كما ترى فلو قلنا أيضا بالقص الحسي إن هذه الشروط تعجيزية لا تُطبق خاصة مع عدم وجود قاض عادل كنبي او وصي أو حاكم شرعي جامع للشرائط .فالآية للتخويف أكثر من أن تكون للتطبيق و ذلك لكف البغي و العدوان في المجتمع و لتربيتهم تربية حسنة.
أما أصحاب الرأي الثالث أي القائلين بالقص المعنوي (أي تُقطع يده أي قوته وهيمنته عن مال المسلمين وذلك بالسجن) قالوا أن السارق هو من تعوّد على السرقة لأن الآية قد جعلت السارق معرفة بالألف و اللام أي معروف عند الناس بالسرقة . و لم تقل من سرق بل قالت السارق ،فمثلا الشخص الذي يدرّس يوماً واحداً لا يسمونه مُدرس أو عالم و لأن هنا الآية تقول السارق أي مهنته السرقة و ليس سرقةً حدثت بالصدفة. أما أدلتهم على القص المعنوي سندرجها لك قريباً .
قبل ذلك لو تقرأ رأي علماء النفس و علماء الإجتماع ستعرف أن الناس يسرقون للأسباب التالية:
الجوع و هو الأكثر شيوعاً و لهذا تزداد السرقة في الدول الفقيرة.
أمراض نفسية : كمن يسرق لمليء فراغ عاطفي او عملي في حياته.و قد تكون السرقة ناتجة عن الغيرة أو تدني احترام الذات أو ضغط الأقران. يصنف الخبراء هوس السرقة على أنه اضطراب في السيطرة على الانفعالات و يحتاج إلى علاج.
المشكلات الاجتماعية: مثل الشعور بالإقصاء أو التجاهل أو الدونية.
الجهل و عدم المعرفة: نستطيع بكل وضوح أن نرى أن السرقة تنتشر في البلاد المتدنية علما و تخف في البلاد الأكثر علماً.
اذن قبل قص يد جاهل او جائع علينا أولاً أن نعرف الأسباب التي تؤدي إلى السرقة فعلى الحكومات أولاً أن توصل نسبة البطالة إلى الصفر أي لا يبقى أحد جائع و ان لا تكون الانظمة جائرة من رئيس الدولة و ما دون
ثم اذا كان السارق مريضاً نفسياً تعالجه ثم توصل الناس إلى مرحلة من المعرفة و العلم حتى يُصبح المجتمع راقياً عارفاً بالمباديء و الأهداف السامية حتى لا يصل إلى هذه المرحلة من الدناءة أن يمد يده إلى مال أخيه المسلم. و على عكس ما ينتشر في الآونة الأخيرة أن قيمة الشخص بكثرة ماله يجب أن يعمل الإعلام لتربية المجتمع أن قيمة الشخص بكثرة علمه و رقي أخلاقه و مبادئه و الخدمات التي يؤديها لنفسه وعائلته ومجتمعه. فإذا انتهت الاسباب التي تؤدي إلى السرقة فستتوقف السرقة كنتيجة لذلك
أما الرأي الثالث و هو أن القص معنوي أي منع قوته وهيمنته عن مال المسلمين وذلك لعله بالسجن فترة حتى يتعلم و تُشفى أمراضه النفسية ان كانت السرقة بسبب عدم الإحتياج و ليست بسبب جوع و قد ذكرنا الشروط سابقاً)
إنتبه أن القص الحسي سيجعل الشخص هذا من ذوي الإحتياجات الخاصة و الحكومة الإسلامية من واجباتها أن تقوم بإعالة جميع الأشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصة ( طبعاً هذا عكس ما نراه في دولنا الإسلامية) فلا يمكن لأي شخص في الحكومة الإسلامية أن يُرمى في الشارع بل على الحكومة الإسلامية أن تعطيه من بيت مال المسلمين.
فهل برأيك تقص يده ثم تصرف عليه مدى الحياة هل هذا هو الحل المثالي للسرقة؟
أو تضعه بالشارع ليمد يده للمارة و يتصدقون عليه , فهل هذا هو العز الذي جاء به الإسلام للمسلمين؟
و ماذا عن عائلته فلعل لديه عائلة فهل تضعه و عائلته عالة على المسلمين؟
و هل برأيك الإسلام الذي سبب له بقطع يده و فضيحته مدى الحياة سيعود هذا الشخص لله ?أم طردناه إلى الأبد بتفسيرنا الخاطيء من ديانات السماء ؟
أترك إجابة الأسئلة لكم
نأتي الآن لفهم معنى القطع في المعاجم و في القرآن الكريم :
قَطَعَ الْبِلاَدَ طُولاً : عَبَرَهَا
قطع الصلاة: أي أوقفها
قَطَعَ الطَّيْرُ البلاد: طَارَتْ مِنْ بِلدٍ إِلَى بِلد
قَطْع الْعَلاَقَاتِ : أي أوقفهَا
قطْعُ التَّيَّارِ : تَوقف إِيصَالِ التَّيَّارِ و ليس بتر الواير
قَطْعُ الطُّرُقِ : إِقَامَةُ حَوَاجِزَ لِمَنْعِ الْمُرُورِ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ
قَطْعُ الفاكهة: غير متوفرة (لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ )﴿33 الواقعة﴾ أي الفاكهة متوفرة دائما
قَطْعًا: بصورة قطعيّة جازمة،(قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ) ﴿32 النمل﴾
قطع المسافة ، أي: اجتازها. وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٢١ التوبة﴾
قطع اليد : يعني الجرح (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ …ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ …) ﴿٣١ يوسف﴾ أي جرحن أصابعهن و ليس بمعنى بتر الأيدي
( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) محمد /22 هل تقطيع الأرحام بالمنشار ام قطع الصلة بهم؟
، وقال تعالى ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ .. ) الرعد /25 ، أي يمتنعون ، ويمنعون العمل بأوامر الله
لو تنتبه سترى بأن القطع بالمعاجم و القرآن الكريم يأتي بمعان مختلفة و ليس البتر حتى جزءاً منه, و يجب ان نعلم جميعاً أن لو كلمة جائت بمعان مختلفة حملها على معنى واحد يحتاج إلى بينة قطعية في الإسلام. في حين أن حتى حدود القص قد اختلف فيها المسلمون و الصحابة و الآية كما ترى واضحة الدلالة ( إقطعوا أيديهما): فكيف جزموا بأنها يد واحدة لا يدين اثنين كما في الآية و كيف حددوها بالأصابع أو الكف. فلو تقرأ التأريخ سترى بأن كل مجموعة من المسلمين كانوا يقولون بنوعية من القص. و هنا يُطرح سؤال لو بالفعل كان الرسول قد طبق قاعدة القص على زمانهم فهل كان سيبقى للشك مجال في كيفية تطبيق القص و حدوده؟ فلعل الأحاديث التي وردت عن القص كلها مفتعلة حتى يبرر الحكام الظلمة على طول التأريخ أعمالهم. و العلم عند الله
بعد كل هذا نتسائل هل وردت السرقة و عقابها في القرآن المجيد ؟ نعم اقرأ معي
آيات وردت فيها السرقة
قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴿٧٧ يوسف﴾ قَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأۡخُذَ إِلَّا مَن وَجَدۡنَا مَتَٰعَنَا عِندَهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّظَٰلِمُونَ (79)
و لأن جميعَ الأنبياء على ملة الإسلام واضح أن يوسف لم يحكم على أخيه بقص أصابعه أو يده بل أخذه و فصله عن باقي إخوته و كأنه إِشارة إلى فصل السارق عن الناس و هو السجن للتأديب.
أما الآيات الدالة على معنى اليد فهي كالتالي:
(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص ١٧
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) ص/45 تدل على القوة في طريق الحق و على العمل الصالح
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ ... ﴿٦٤ المائدة﴾ أي القوة الفعلية لله تعالى
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ…﴿١٠ الفتح﴾ قوة الله و سلطانه
وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٩٥ البقرة﴾ اليد هنا تدل على ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة
و هناك الكثير من الآيات الأخرى التي تدل على أن اليد هي القوة و السلطان و الهيمنة
الاستنتاج الأخير : يجب على الحاكم الشرعي أن يرى ماذا يفعل حتى لا يعطي هيمنة و قوة للسُراق على مال المسلمين و قد ذكرت بعض الحلول سابقاً. فهل ترى من حلول أخرى ؟ إطرحها حتى يستفيد الجميع
ماذا نقول و حكامنا هم أول السُراق للشعوب و المتسلطون هم الأكثر فتكاً بالأمة.
تركوا الذين يسرقون بالملايين من مال المسلمين و أخذوا يركضون بقص يد جائع يسرق بسبب ظُلمهم وعدم كفاءتهم.
أنقذنا الله و اياكم من كبار السُراق للعالم، سُراق المال و الكنوز و المعرفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق