الفرح على نوعين في القرآن الكريم
فرح مذموم و فرح ممدوح. الفرح يتغير على حسب متعلقه , و ليس صفة ذاتية للفرح من أنه من قسم الشر أو الخير.
أولا سنذكر الآيات التي ذمت الفرح
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴿٢٦ الرعد﴾ الفرح و الاهتمام التام بالدنيا و نسيان الآخرة من المذموم.
لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨٨ آل عمران﴾ هنا الفرح بالملذات الدنيوية و الفرح بمدح الآخرين له بغير الحق أيضا من الفرح المذموم.
ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ﴿٧٥ غافر﴾ هنا القرآن يتكلم عن الكافرين الذين فرحوا و تكبروا بما آتاهم الله و ظنوا أنهم حصلوا على ذلك لشطارتهم و ذكائهم و لم يحمدوا الله على نعمه.
لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿٢٣ الحديد﴾ كل شيء مقدر في هذه الحياة فالذي فات لا يجب على الإنسان الأسى عليه لأنه امتحان من عند الله و أما ما هو قادم لماذا ليس علينا أن نفرح به؟ يجب الانتباه أن الفرح بنعم الله مع حمده و شكره ليس من المذمومات. و لكن التعلق و الآمال الطويلة بأمور زائلة هذا هو المذموم فمن يتعلق قلبه بشبابه ينهار عند انتهاء الشباب و كم من عارضات أزياء ينتحرون بانتهاء الشباب . و من تعلق قلبه بجسده انهار اذا لم فقد صحته , و من تعلق قلبه بالمال سيموت أو يكتئب عندما لا يحصل على مبتغاه. و هذا التعلق بالزائلات الله تعالى ينهانا عنه و يريدنا ان يتعلق قلبنا بفعل الخير و تكون نظرتنا إلى الحياة أعمق و أبعد لنرى جمال العمل الذي يبقى معنا إلى الأبد.
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴿١٠ هود﴾ هذه الآية ايضا متشابهة مع التي تقدمت من الفرح المذموم و هو البطر و التكبر على الخلق بالنعم الإلهية من دون استخدامها للخير.
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴿٤٤ الأنعام﴾ هنا الله تعالى يقول الذين ماتت قلوبهم بنسيانهم لله و لا رجعة لهم ابداً، سيفتح الله لهم كل ابواب النعم الدنيوية ثم يُهلكهم بعدها بهذه النعم التي طغوا بها و لم يستخدموها للخير.
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴿٣٦ الروم﴾ هنا المذموم هو فرح البطر و عدم الشكر فقال المفسرون فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة اللّه و من المعاني الجميلة ايضا في هذه الآية أن الله ينبهنا على ان أغلب السيئات التي تأتينا في الحياة فهي نتيجة لما قدمت أيدينا و ليست من عند الله .
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٨٣ غافر﴾ و هنا الفرح المذموم هو التوقف على ما توصل إليه الشخص من العلوم دنيوية او أخروية و رفضه لتقبل العلوم الجديدة التي أنزلها الله على الأمم أو جعل العلم فقط وسيلة للمفاخرة و المباهات.
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴿٨١ التوبة﴾ و هنا الفرح دال على حب الدنيا و عدم اطاعة الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام و التبجح بالمعصية و كراهيتهم للجهاد بأموالهم و أنفسهم و لهذا هو مذموم.
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿٥٣ المؤمنون﴾ و بنفس المعنى ايضا الآية التالية
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿٣٢ الروم﴾ و هذا هو فرح كل الأمم بما لديها من أديان أو مذاهب لأنه يخدم مصالحهم الشخصية و لم يجعلوا القيم منهاجا حتى يكون ديناً حقاً او واقعا انسانيا، كل شخص جازم بأنه على الدين الصحيح جهلا و اتباعاً لأمته من دون محاولته للوصول إلى الحقيقة و السبب التكبر و العناد على باقي الأمم و المذاهب .
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴿٧٦ القصص﴾
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ ﴿٤٨ الشورى﴾
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴿١٢٠ آل عمران﴾
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٢٢ يونس﴾
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴿٣٦ النمل﴾
إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴿٥٠ التوبة﴾ هذا هو فرح المنافقين تابع لمصالحهم الشخصية.
الفرح الممدوح في القرآن :
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴿٥٨ يونس﴾ الإنسان المؤمن ينظر إلى كل النعم على أنها فضل و رحمة من الله مستخدماً إياها في سبيل الله و هذا هو الفرح الممدوح.
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴿٣٦ الرعد﴾ و المراد من الذين آتيناهم الكتاب هم اليهود و النصارى و من كاتباً لنبي من الأنبياء فيعتبر ما نزل على محمد مزيداً من العلم و القرب الإلهي فيفرح بذلك للكمال حتى و لو لم يكن مسلماً لعدم اللجاج و العناد الباطني. هنا الفرح بما أنزله الله تعالى على نبيه و لا زالت هذه النعمة بأيدينا و هي القرآن الكريم و ما فيه من الأوامر و النواهي الربانية.
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١٧٠ آل عمران﴾ هنا الفرح ممدوح لأنه لقرب الله
فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤ الروم﴾ و هنا الفرح ممدوح لأنه حب لإنتصار الموحدين لأنهم من أتباع الرسل في مقابل المجوس آنذاك من الفرس.
الملخص: الفرح يكون مذموما او ممدوحا على حسب متعلقه
الفرح مذموم للتالي : 1: الفرح و الاهتمام التام بالدنيا و نسيان الآخرة من المذموم 2: الفرح بالملذات الدنيوية و بمدح الآخرين له بغير الحق 3: فرح التكبر و البطر و التبجح بالنعم و لم يحمدوا الله عليها و لم يستخدموها للخير . 4: فرح التعلق بالماضي بما لدى الشخص من علوم قديمة و حضارات تكبراً و جهلا و عنادا و عدم التطور و التعلم و الأخذ بأوامر الرسل الكرام. 5: فرح التعلق بأمور زائلة كالمال و الشباب و الجسم و غيره كي لا ينهار الإنسان لزوالها و ينتبه إلى ما هو باق.
الفرح ممدوح للتالي: ١: الفرح بالنعم الإلهية باستخدامها للخير ٢: الفرح بنصرة أصحاب الديانات على الكفار و المشركين ٣: الفرح بقرب الله و الوصول إلى المراتب عالية في الجنة و جوار العظماء من الخلق. و هذه الأنواع من الفرح ممدوحة لأنها باقية و ترفع الإنسان إلى فهم التعلق بالله و التطور وحب الكمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق