ما معنى السجود و ما الغاية من طلب الله السجود لآدم؟
هل طلب السجود لآدم هو السبب في كراهية الشيطان لآدم ؟
و كثير من الأسئلة الأخرى التي تمر على الذهن حينما نقرأ قصة آدم و الملائكة و الشيطان في القرآن الكريم. و لا يذكر الله قصة في القرآن إلا لكي نستفيد منها لحياتنا.
تعالوا نبدأ بهذا السؤال أولا هل السجدة تعني بالتأكيد وضع الجبهة على الأرض ؟
تعالوا نتأمل في هذه الآيات القرآنية
قال تعالى وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴿49 النحل﴾
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ … الحج ١٨
ليس لكل المخلوقات جبهة حتى تضعها على الأرض كالإنسان و نحن لا نعلم ما شكل الملائكة و الجن حتى نتخيل إن لهم جبهة و يسجدون كما نسجد ثم الله تعالى يقول يسجد له من في السماوات و الأرض وضرب لنا امثلة بالشجر و الدواب و الشمس و القمر و النجوم ونحن نرى الشجر و الكواكب و كل الحيوانات إما ليس لها جبهة أو لا تضع جبهتها على الأرض كما يفعل الإنسان . إذن السجود معناه أعم من وضع الجبهة على الأرض لأنه ليس مختصا بالإنسان. و قال تعالى
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَـٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٨ البقرة﴾
لا يستطيع الإنسان أن يدخل من الباب ساجداً فكيف يمشي و هو ساجد إذن السجود معناه أعم و يعني الإطاعة و الخضوع بالوجه العام .
الآن سنغير السؤال لماذا طلب الله من الملائكة و الشيطان أن يطيعوا و يخضعوا و يحترموا أو يكرّموا الإنسان؟ في حين أن الإنسان للتو مخلوق و الملائكة فيهم عظماء كجبريل و ميكال و حتى الشيطان كان قد عبد الله ٦ الاف سنة.
أراد الله أن يُفهم الملائكة و الجن أن سيرهم نحو الحق تعالى لا يكون متحققا إلا عن طريق معلم و هذا المعلم هو آدم والأنبياء عليهم السلام من بعده فلو اتبعوا أنبياء الله فهو خير لهم و إلا آدم عليه السلام ماذا يستفيد من سجدتهم و خضوعهم غير أنه أصبح مسؤولا و معلماً ، في عاتقه تعليم الإنس والجن والملائكة أجمعين و لذا سجودهم ما جعل آدم يتكبر.
بعدها طلب الله من آدم أن يؤدي مسؤوليته من أول يوم عندما علمه الأسماء و طلب منه تعالى تعليمهم الأسماء كلها.
و الأسماء و كأنها حقائق نورانية عاقلة كانت تخفى على الملائكة و لعلنا لسنا نحن بذلك المستوى أن نُدرك معاني تلك الأسماء و لهذا السبب إكتفى الله بقوله علمهم الأسماء من دون ذكر التفاصيل.
قد فسر البعض الأسماء بأنوار الأنبياء و الأولياء و هذا له بحثه لو أردتم أكتبوا لي بالتعليق لنخصص له حلقة.
بعد تعليم الاسماء عرفت الملائكة أنهم تعلموا من آدم عليه السلام أمورا لم يستطيعوا أن يتوصلوا إليها بدونه ولذلك اقتنعوا .
لماذا آدم يجب أن يكون المعلم و ما هي ميزته ؟ لماذا لم يُعلم الله تعاليمه إلى ملك من الملائكة ؟
لأن خلقة الإنسان مختلفة عن سائر المخلوقات إن الإنسان جامع شتات عالم الإمكان ففيه الروح و هو من عند الله و فيه النور و هو من عالم النور و فيه المادة من عالم المادة و الأرض وفيه العقل من عالم الملائكة و يشير الإمام علي عليه السلام إلى ذلك بقوله أتحسب انك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبر. ولكن إبليس رأى جانبا من جوانب الإنسان الظاهرية فقط و هو جانب المادة فأصدر القرار بعدم الخضوع للانسان لبُعده المادي و لكنه الخاسر لأنه قد فقد المعلم الذي كان سيساعده في طريق الكمال و في طريق المعرفة فبقي جاهلا بعلوم الأنبياء. سلسلة كمال الأنبياء تبدأ من آدم عليه السلام و لكن كل نبي يأتي ليُكمل هذا السير التكاملي حتى ختمه الله تعالى برسول الله محمد عليه أفضل الصلاة و السلام. فالله تعالى بلُطفه لم يكتف بمعلم واحد و لكن أرسل لنا و للملائكة معلمين، كل معلم أعلم و أعظم من المعلم الذي يليه و جعل لكل نبي أوصياء حتى يطبقوا القوانين والعلوم الجديدة لكي لا يطبقها جاهل بالشريعة ان أرادت الأمة ذلك . و هذا هو غاية الخلقة (التكامل و التطور). و لذلك ترى ابليس و من لم يأخذ بالأنبياء كوسيلة للتكامل ضائع و تائه يبحث عن السعادة في هذه الحياة و لا يجدها ابدا لقوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ. فالله تعالى اعتبر المعرض عن آيات الله و اتباع الرسل بالاعمى في الدنيا و الآخرة .
و حتى العبادة التي هي غاية خلقة الجن و الانس هي إطاعة لأوامر الله للتطور و التكامل و لذا الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء و المنكر و الصيام الذي لا ينهى عن المنكرات و العلم الذي لا يؤثر بشكل ايجابي على النفس بل أساسه النفاق لا قيمة له عند الله و على هذا أي عبادة يجب أن تأتي بثمرات ربانية و الثمرات هذه هي النمو العقلي و النفسي و الجسدي حتى تكون ذا قيمة.
هنا بعض النقاط التي نستفيدها من اختبار ابليس :
ـ أولا: إن العبادة لوحدها لا توصلنا إلى المراتب العالية و لكننا نحتاج إلى الأنبياء و المعارف الحقيقية للكمال و لهذا ترى الذين لا يتعلمون تعاليم القرآن الحقيقية و جالسون فقط يسبحون و يصلون يصيبهم الغرور و الكبرياء و هم جُهّال كالدواعش و خوارج النهروان الذين كانوا يصلون حتى الصباح و يقرؤون القرآن لكن لم يميزوا بين الحق و الباطل و لم يعرفوا إمام زمانهم و معلمهم الذي كان سيوصلهم إلى الكمال.
ثانيا: إن العبادة لوحدها من دون معارف قد أوصلت ابليس إلى التكبر و هذا ما نراه ايضا في كثير ممن يظنون أنفسهم متدينون فهم قد يصلون إلى مرحلة يظنون أنهم يعرفون كل شيء فيتوقفون عن الكمال و المعرفة و يطالبون الله بظنهم و كأنهم قد منوا على الله بصيامهم او صلاتهم.
هل طلب السجود لآدم هو السبب في كراهية الشيطان لآدم ؟
لا، فالتكبر يأتي بالحسد فقد حسد إبليس آدم على خلافته على الأرض فقد ظن ابليس لأنه و قبيله أقدم على وجه الأرض فإنهم من يستحقون الخلافة لقِدم زمانهم و أيضا لكونهم مخلوقين من نار . الحسد دفع ابليس للانتقام من آدم وذريته إلى قيام يوم الدين. ما فائدة عبادة ستة آلاف سنة اذا لم يستطع أن يتغلب ابليس حتى على الكبرياء والحسد في داخله. فالله تعالى بهذا الإختبار أراد كشف هويات الملائكة و الشيطان. فقد نجحت الملائكة بالإختبار لتسليمها لله و فشل إبليس في الاختبار .
كما هو الحال بالنسبة إلى جميع البشر يختبرهم الله بأمور لا يفقهون غاياتها ليرى ماذا سيختارون لقوله تعالى مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ. و لتظهر على العيان ذواتهم. و قوله تعالى ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿35 الأنبياء﴾
و للامام علي كلمات جدا جميلة يشرح فيها اختبار الملائكة و الشيطان تعالوا نقرأها مع بعض:
ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رواؤه ، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه لفعل. ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة.
أنظر كيف أن المظاهر قد تخدع حتى الملائكةولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزا بالاختبار لهم ونفيا للاستكبار عنهم، وإبعادا للخيلاء منهم فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذا أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة . فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصية ؟ كلا، ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا إن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد.
اتمنى الجميع يقرأ هذه الخطبة في نهج البلاغة بالكامل تسمى بخطبة القاصعة فهي فيها حكم تفوق الوصف و تجيب على كثير من الأسئلة.
هذا رابط الخطبة بالكامل خطبة القاصعة
كلمات الامام علي عليه السلام في السجود لله فقد قسم الإمام السجود إلى السجود الجسماني و السجود النفساني: السجود الجسماني: وضع عتائق الوجوه على التراب واستقبال الأرض بالراحتين والركبتين، وأطراف القدمين مع خشوع القلب وإخلاص النية. السجود النفساني: فراغ القلب من الفانيات والاقبال بكنه الهمة على الباقيات، وخلع الكبر والحمية وقطع العلائق الدنيوية، والتحلي بالأخلاق النبوية. و طبعا هنا السجود بالحالتين هو خاص بالله . مستدرك الوسائل ، ج 4 / 486 ( باب 23 ، من أبواب السجود ). غرر الحكم: (٢٢١٠ - ٢٢١١).
الإمام الصادق (عليه السلام) - لما سأله سعيد بن يسار -:
أدعو وأنا راكع أو ساجد؟ -: فقال: نعم ادع وأنت ساجد، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، ادع الله عز وجل لدنياك وآخرتك . البحار: 85 / 131 / 6.
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا أردت أن يحشرك الله معي فأطل السجود بين يدي الله الواحد القهار البحار: ٨٥ / ١٦٤ / ١٢ وص ١٣٧ / ١٧
اذا استفدت من البحث انشره قربة الى الله تعالى
هدى الخاقاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق