هل سيجمع الله الخلائق بحساب واحد و ميزان واحد و أنبيائهم و أزمانهم مختلفة و الإمكانيات التي توفرت عند كل جيل مختلفة فمثلا هنيئاً لمن جاء بعد رسول الله (ص) ليأخذ الشريعة الكاملة فكيف بمن جاء قبله و هناك من عاش في قرية قبل مئات السنوات و هناك من يعيش نعيم الانترنيت بسهولة الوصول إلى المعلومات فكيف سيكون حسابهم واحد؟ هذا سؤال طرحه أحد الإخوة المتابعين
نقول قال الله تعالى في كتابه و نضع الموازين القسط
هذه الآية تشير إلى نقطتين مهمتين :
أولاً ما هي الموازين الربانية التي سنُحاسب بها؟
و ما هو القسط؟
أما الحساب بالقسط يعني أنه تخطى مرحلة العدالة فالعدالة دقيقة جداً و اذا أراد الله أن يحاسبنا بعدله لما دخل من البشر الا النوادر إلى الجنة. و لكن سيُحاسبنا بالقسط و هو عدل مملوء بالرحمة و الغفران من أغلب الخطايا كما تشير إلى ذلك الآية الكريمة : إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا ﴿٣١ النساء﴾ و أكد ذلك في آية أخرى بقوله : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ) فالله تعالى سيغفر أغلب خطايا البشر ان لم تكن من الكبائر و إن لم تكن حقوقاً للآخرين فالحقوق يجب أن يغفرها صاحب الحق.
أما الموازين : الله تعالى أعطانا عقلاً و فطرة ثم دلنا و علمنا الطريق للوصول إلى العقل السليم و الفطرة السليمة بالأنبياء و الأوصياء. فالموازين هناك كلها على حسب العقل و الفطرة التي فطرنا الله عليها و دلنا عليها العظماء من الخلق. فالبشر تجمعهم الفطرة السليمة و تجمعهم موازين العقل اذا لم تحجبها حجب الحضارات و التربية .
و اذا انحجبت هذه الموازين يُرسل الله رسولاً ليُذكرَنا بها. فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴿٢١ الغاشية﴾ و التذكير هو للشيء الذي نعرفه فتحجبه الحجب المختلفة و ليس شيئاً جديداً لم نكن نعلمه فأغلب ما يأتي به الأنبياء و الأوصياء من وصايا نعرفها ببداهة العقل و الفطرة.
أما من كان قبل رسول الله فإن كانوا تابعين للرسل حقاً فقد كانوا مسلمين أيضاً و يشير إلى ذلك القرآن في أماكن مختلفة مثل قوله تعالى ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا) و قوله : (أن الدين عند الله الإسلام)
و لم يأتي رسول الله بدين جديد بل جاء لإحياء ما اندرس من الشرائع السابقة و للتذكير بالفطرة و جاء ليبين لأصحاب الكتاب أن الكتب قد تحرفت و فُسرت بتبع الهوى.
اما من يقول أن من كان في قرية و لم يسمع بأخبار الأنبياء فالله تعالى كيف سيحاسبه فنقول: القرآن يؤكد أن الله قد أرسل لكل امة رسولا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ. و قال تعالى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿١٥ الإسراء﴾ فلا يحاسب الله تعالى أحداً لم يُرسل له رسولاً بل جميع الأمم كانت لها رسل و قد بدأ خلق الإنسان بنبي و هو آدم عليه السلام.
و أما في عصرنا صحيح أن المعلوماتِ موجودة و لكن توجد ملايين الكتب حالياً حتى وصلنا إلى مرحلة أن أصبح الوصول إلى المعلومة الصحيحة يحتاج إلى جهاد و ساعات من البحث. و لكن قد قال الله تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ فالهداية وعد الهي لمن سعى للوصول اليها.
و لمن أراد بحثاً اكثر في هذا المجال انصحه بقراءة هذا النص: