السؤال الأول: كيف تحدى ابليس رب العالمين فهل كان يجهل قدرة الله و جبروته علماً أنه كان من المقربين؟ لا هو ليس بهذا الجهل لقوله تعالى : كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. هو يقول بأنه يخاف الله و هذا يدل على علمه بقدرة الله و لكن كيف يخاف الله و يعصيه هنا هو السؤال. و قالوا اذا كان البشر لجهلهم و عدم رؤيتهم للجنة و النار يعصون الله أما الشيطان قد رأى السماوات و الجنة و يعلم علماً يقينياً بقدرة الله فكيف يعصيه؟
نقول العلم بالعواقب لا يضمن دائماً الاختيار الصحيح و هذا نراه متمثلاً في كثير من جوانب حياة البشر كمن يأكل المحرمات التي تضر الجسد أو يشرب الخمر أو يدخن السجائر أو المخدرات فهو يعلم علم اليقين تقريباً بأنه يضر جسده و لكنها اللذة الآنية و الإرادة و العزيمة الضعيفة أضف إلى ذلك عدم التفكير بالعواقب تجعل الإنسان أو الجن يأخذ اسوأ القرارات بحياته مع علمه بالنتائج السيئة مسبقاً.
فالله يضرب لنا مثلاً بالشيطان على أن العلم بالنتائج لا يوقف الأغلبية من ارتكاب الأخطاء أو الجرائم. و لهذا ترى الحياة كلها مبينية على خيارين : خيار سريع مع لذة آنية و نتائج غير مرضية أو خيار صعب و هدف بعيد المدى و لذة و ألم في نفس الوقت للوصول إلى النتائج الرفيعة. و هذا لا يقتصر على العمل الصالح تستطيع أن تقيس ذلك على أغلب خيارات البشر مثلاً بالدراسة : القراءة و المذاكرة للنجاح أو اللعب و الوناسة الآنية.
لكن السؤال كيف تحدى الشيطان رب العالمين مع علمه بقدرة الله و خوفه من العقاب نقول أحياناً الكبرياء و الحسد يصل إلى مرحلة حيث يجعل الشخص يستلذ بإيذاء من يحسد فهو يستمتع مع كل جريمة ليُثبت إلى الله أن هذا الذي فضلته علي ليس أفضل مني و ها هو يرتكب الجرائم و الموبقات.
و هنا سؤال آخر يطرح نفسه : كيف البشر يعتقدون أن ابليس يغويهم و هو واحد و هو ليس كالله تعالى حتى يكون في كل مكان؟ فمثلا عندما كان من البشر فقط آدم و حواء هو يستطيع اغواء الجميع و لكن حاليا على وجه الأرض أكثر من ثمانية بلايين شخص كيف يستطيع ان يغويهم جميعاً؟
أولاً: الشيطان يصنع لنفسه أحزاباً فهو يختار من البشر من يكونوا على شاكلته و يستخدمهم كوسيلة لغاياته و لهذا القرآن يشيرالى أن من الشياطين من هم من البشر فنحن نتعوذ منهم في سورة الناس : (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس)
ثانياً: الشيطان لديه ذرية (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ)و لكن هل هذه الذرية خالدة مثله إلى يوم الوقت المعلوم أم أن لكل جيل هنالك ذرية مختلفة تساندة؟ حقيقة نحن لا نعلم كم يعيش الجن و لكن التحدي و طول العمر بالقرآن بصريح العبارة أعطاه الله للشيطان إلى يوم الوقت المعلوم. قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)
ثالثا: الشيطان لديه جنود : وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴿٩٥ الشعراء﴾
رابعاً: حسب الظاهر الشيطان عندما تحدى الله و قال سأغوينهم اجمعين أي لا يفلت منه أحد أبداً و لكن وسوسته لا ينجو منها الا المُخلصون. اذن الموضوع لعله ليس اغواءً فردياُ كما نظن و لعله يشبه ترددات الراديو و الذبذبات التي يستطيع أن ينشرها و لهذا يستطيع أن يوصلها إلى الجميع. و أما الغواية الفردية فهي خاصة فقط للذين جعلوه ولياً لهم و الذين ابتعدوا ابتعاداً تاماً باختيارهم عن الله تعالى فسيجعل الله تعالى عند ذلك شيطاناً قريناً له (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] فالشيطان ليس قرين الجميع و لكن ذبذبة الوسوسة تصل إلى الجميع الا المخلصين. و الله تعالى أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق