ما معنى الضلالة في قوله تعالى لرسوله الكريم : و وجدك ضالاً فهدى



ما معنى الضلالة في قوله تعالى لرسوله الكريم : و وجدك ضالاً فهدى و قول موسى عليه السلام قال فعلتها إذاً و أنا من الضالين؟


أما بالنسبة إلى الضلالة المنسوبة في القرآن الكريم إلى النبي الكريم فلا أحد يستطيع أن يجاوب عليها أفضل من الإمام علي عليه السلام فهو باب مدينة العلم . أما بعد كلمات الامام علي سأدرج لكم بعض الآيات التي فيها مفاهيم قرآنية لمعنى الضلالة المنسوبة إلى موسى عليه السلام .

أما أن يكون الضلال المنسوب إلى النبي الكريم و النبي موسى عليه السلام كما قال البعض من باب ضياع الحق فهذا خلاف تفسير القرآن فقد جعل الله الأنبياء من الذين انعم الله عليهم كما شرحنا في بحث " من هم الذين انعم الله عليهم المشار إليهم في سورة الحمد" و نحن ندعوا الله يومياً أن نكون منهم في الصلاة مرات عديدة. فهذا الضلال لا ينطبق مع الأنبياء.

قال علي عليه السلام : الضلالة على وجوه: فمنه محمود، ومنه مذموم، ومنه ما ليس بمحمود ولا مذموم، ومنه ضلال النسيان:

فأما الضلال المحمود وهو المنسوب إلى الله تعالى كقوله: * (يضل الله من يشاء) * هو ضلالهم عن طريق الجنة بفعلهم.


ثم قال علي (ع) والمذموم هو قوله تعالى: * (وأضلهم السامري) * * (وأضل فرعون قومه وما هدى) * ومثل ذلك كثير.

وأما الضلال (النوع الثالث) المنسوب إلى الأصنام فقوله في قصة إبراهيم: * (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس...) * والأصنام لا يضللن أحدا على الحقيقة، إنما ضل الناس بها وكفروا حين عبدوها من دون الله عز وجل.

وأما الضلال الذي هو النسيان فهو قوله تعالى:

* (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) * وقد ذكر الله تعالى الضلال في مواضع من كتابه فمنهم ما نسبه إلى نبيه على ظاهر اللفظ كقوله سبحانه: * (ووجدك ضالا فهدى) * معناه: وجدناك في قوم لا يعرفون نبوتك فهديناهم بك .


أقول
و لعل موسى عليه السلام أيضا من هذا الباب أي عندما وجده الله تعالى ضالاً في مدينته لا يعرف مكانته أحد أخذه إلى مدين و أعطاه النبوة و الحكمة و العلم حتى اذا رجع إلى المدينة بعد عشر سنوات تكون له القوة على هداية المجتمع فكان موت القبطي بوكزة موسى فقط سبباً لخروجه. فقالوا القبطي مات مع الوكزة و ليس بسببها بل كان السبب ربانيا.

و نستطيع أن نقول أن كل مرحلة سابقة تُعتبر ضلالة للمرحلة القادمة التي هي أعلى منها أي عدم معرفة بعض الأمور بتفاصيلها و مراحلها النورانية في  المرحلة اللاحقة.

و من هذا النمط الضلالة التي تكلم عنها موسى عليه السلام عندما قال فعلتها و أنا من الضالين أي فعلتها و أنا غافل عما ستتسبب هذه الوكزة من أمور على أرض الواقع فقد كانت الوكزة دفاعاً عن مظلوم و لم تكن عمدية كما يعلم الجميع.

و لذلك قال بعد تلك الجملة مباشرة (فَفَرَرۡتُ مِنكُمۡ لَمَّا خِفۡتُكُمۡ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكۡمٗا وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ) فهو يتكلم هنا عن مرحلة أعلى من الحكمة و الرسالة و اعتبرها مرحلة أعلى من السابقة. فالضلالة لها مراتب متعددة كما للهداية مراتب متعددة.

و القرآن يتكلم أيضا عن مرحلة أعلى لرسولنا الكريم عندما قال : وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴿١١٣ النساء﴾ فالله تعالى يشير إلى مزيد من الحكمة و العلم في مراتب العروج اليه.

وفى العيون باسناده إلى على بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليه السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: ان الأنبياء معصومون؟
قال: بلى. قال: فأخبرني عن قول الله: (فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان) قال الرضا عليه السلام: ان موسى عليه السلام دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فقضى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات، قال: هذا من عمل الشيطان يعنى الاقتتال الذي وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى عليه السلام من قتله (انه) يعنى الشيطان (عدو مضل مبين).
قال المأمون: فما معنى قول موسى: رب انى ظلمت نفسي فاغفر لي)؟
قال: يقول: وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له انه هو الغفور الرحيم. قال موسى: رب بما أنعمت على من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فلن أكون ظهيرا للمجرمين بل أجاهدهم بهذه القوة حتى ترضى.


و سأدرج لكم بعض كلمات الإمام علي عليه السلام في الضلالة فهي شافية.



أدنى الضلالة - قال الإمام علي (عليه السلام): أدنى ما يكون به العبد ضالا أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عز وجل بطاعته وفرض ولايته .

هادم أركان الضلالة -قال (عليه السلام): استعينوا به - أي بالقرآن - على لأوائكم، فإن فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال . (كلمة لأواء تعني الشدة.

- وقال (عليه السلام): إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه... وهدم أركان الضلالة بركنه .

- و قال (عليه السلام) - في صفة النبي : المعلن الحق بالحق، والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صولات الأضاليل.

و قال عليه السلام : من يطلب الهداية من غير أهلها يضل.

جعلنا الله و اياكم من أهل الهداية الطالبين للحقيقة و الهداية من القرآن و الرسول و من أهلها.


لماذا غفر الله تعالى لموسى عليه السلام قتل القبطي؟


الله تعالى يشير على أن موسى عليه السلام دخل المدينة و رأى رجلين يتقاتلان وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ

أحدهما من شيعته أي من بني إسرائيل و الآخر من عدوه أي من أعوان فرعون

هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ

و عدو الأنبياء هو عدو لله تعالى

فالإستنتاج الأول هو أن هناك ظالم و مظلوم
و ذهب موسى عليه السلام لكي يدافع عن المظلوم في مقابل الظالم.
الإستناج الثاني أن الظالم هو من أعوان فرعون و هو كافر و قد تهجم على الرجل الإسرائيلي بغير حق.

ثم تشير الآية أن موسى عليه السلام جاء لكي يُبعد الرجل الكافر و يمنعه من قتل الإسرائيلي فالآية تشير أن هناك محاولة للقتل بكلمة ( يقتتلان) فوكزه موسى أي دفعه أو ضربه بكف يده على صدره لكي يُبعده عن قتل الرجل الإسرائيلي . و القرآن يشير أن موسى عليه السلام كان رجلاً قوي البنية . و الوكزة كانت لعلها قوية أو جائت بالغلط في المكان الذي تسببت بموت الرجل الكافر من دون قصد موسى بقتله.
ثم تشير الآية أن موسى إعتبر الأمر من الشيطان ( قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)

لماذا نسبه إلى الشيطان؟

أولاً لأن سلاح الشيطان البغضاء و الغضب و هو الأسبب الأساسي لقتال الرجلين ثم استعجال موسى عليه السلام .

ثم استغفر موسى عليه السلام لنفسه عندما قال (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) 

فموسى لم يندم على قتل الرجل فالرجل الكافر كان يستحق القتل و لكن استغفر لأن الوقت و المكان كانا غير مناسبين لهذا العمل . فاستغفر على عدم تقديم الأولويات. و لذلك تسبب قتله لهذا القبطي أن يخرج من مصر إلى مدين خوفا على نفسه.

هنا استنتاج مهم نتعلمه لأنفسنا: أن العمل الصالح في الزمان أو المكان غير المناسب ليس بصلاح. فإذا كان العمل الصالح يتسبب للإنسان القتل و كان الشخص غير قادر على دفع القتل و الظلم عن نفسه و ليس هناك ثمرة فعلية له على أرض الواقع يجب أن يتوقف الإنسان عنه . 

و لهذا استغفر موسى عن عمله لأنه لم يكن لديه القدرة لدفع القتل و الضرر عن نفسه و تسبب أن يخرج من المدينة إلى مدين خوفاً من القتل . ليرجع إليها بعد عشر سنوات مع القدرة و التأثير على تغيير لأرض الواقع.

هدى شبيري الخاقاني



لمن يشكك في الحج و أداء مناسكها قصة حقيقية للإمام الصادق و ابن ابي العوجاء

  قدم ابن ابي العوجاء مكة تمردا وإنكارا على من يحج، وكان يكره العلماءُ مجالسته ومساءلته لخبث لسانه وفساد ضميره، فأتى أبا عبد الله عليه السلا...

اخر المشاركات