بعض الدروس من قصة سليمان عليه السلام في القرآن الكريم و لماذا الله تعالى قد سخر له الشياطين بدلا من الملائكة
عندما أمسك القلم لأكتب شيئاً عن القرآن الكريم لعظمته يتوقف القلم بين كل لحظة خوفاً من أن أكتب شيئاً لا يرضاه الله و لهذا أريد أن أقول للقاريء الكريم بأن كل ما أكتب هو استنتاج لما أقرأه من كتابة و تفاسير العلماء أو النقاش مع ذوي العلم و لا استطيع أن أعطي هذه الكتابات ميزة الحقيقة المطلقة و لكن تبقى استنتاجات شخصية بعد البحث و التأمل والإستشارة . و لعلك لو تأملت أنت أيضا في القرآن الكريم ستجد كنوزاً أخرى ستشاركها معنا فأنا أعلمكم ما أعرف و أنتم علموني ما تعرفون لكي نرقى كأمة تحب أن تكون موصوفة بأنها من أمة محمد صلى الله عليه و آله .
و قد سألني أحد الإخوان عن سبب تسخير الله الشياطين لسليمان عليه السلام و لماذا لم يجعل الله تعالى ملائكة مسخرة بدلاً من الشياطين.
أستطيع أن أكتب لكم بعض الأسباب التي خطرت على بالي بعد التأمل في سياق الآيات :
أولا الله سبحانه و تعالى يذكر النعم الإلهية و النجاة للأنبياء في الآيات السابقة مثل قوله تعالى
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ
ثم بعد ذكر كل هذه النعم و كأن الله يريد أن يقول أن حتى ما يسبب المشاكل و الضلال كالشياطين نستطيع أن نجعله مسخراً للأنبياء و سبباً للخير كأن نجعلهم يغوصون و يبنون . فليس سبيل الأنبياء فقط بالملائكة و الصالحين و لكن لو أردنا سنجعل حتى الشياطين و الريح و الجبال مسخرة للإنسان( الأنبياء) مثل قوله تعالى وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
و قوله
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ
السبب الثاني : يريد الله أن يقول لنا بأن الخير و الشر كله بيده و لا يخرج لا شيطان ولا انسان من سلطته اذا أراد ذلك و ليس كما تظن اليهود مثلاً بأن يد الله مغلولة. بل كل شيء تحت العناية و المشيئة الإلهية.
السبب الثالث: قد جعل الله سليمان عليه السلام لكي يحتج به يوم القيامة على أن السلطة و المال و تسخير حتى الرياح و الشياطين ليست سبباً للكبرياء و الخروج عن طاعة الله . فلعل شخصاً يقول بأن السلطة لم تكن يوماً من الأيام بيد الصالحين و لكن الأرض كانت دائماً بيد الأشرار أو بالأحرى السلطة تجلب الشر و تُخرج الإنسان من طيبته إلى الظلم . و قول البعض السلطة تحتاج إلى اليد الحديدة الظالمة حتى تستقر. فأراد الله أن يأتي بسليمان عليه السلام ليقول لهم السلطة ما أفسدته ولا جعلته ظالماً.
السبب الرابع: إشارة على أن الإنسان يجب أن يعرف بأن كل ما هو مسخر بيده من مال و خيرات كلها كانت بسبب تقدير الله و مشيئته و لذا لن توصله هذه النعم إلى الكبرياء و الخيلاء بأنه العظيم المفكر و الذي يستطيع أن يخرج من هيمنة الله. و لهذا في يوم القيامة حتى اليد وأعضاء الإنسان تخرج من سيطرته لتشهد على أفعاله.
السبب الخامس: أن صاحب السلطان يستطيع أن يجعل من أسوأ البشر و الجن أدوات للخير كما استخدم سليمان عليه السلام الشياطين لعمل الخير كالبناء و الغوص و غيره مثل (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات)
ثم يشير القرآن أن من يأمره النبي سليمان و لم يطع أمره يذيقه الله عذاباً يشبه السعير (ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير )
وهنا نكتة مهمة أريد أن أشير إليها وهي أن عمل الخير و سلطة الخير لسليمان لم تستطع أن تغير الشياطين إلى أشخاص طيبين و لهذا كانوا ينتظرونه ليموت ليخرجوا من السيطرة و قد أشار إلى ذلك القرآن الكريم بأنهم كانوا يشعرون بأنهم في العذاب رغم أنهم كانوا مشغولين بأفعال كلها خير. فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) و لعل هذا هو السبب أن جعل الله الدنيا ليست بقوة سلطان الخير حتى لا يفعل الأشرار الخير غصباً عنهم و لتبقى الدنيا داراً تُظهر الكثير من حقائق نوايا و أفعال البشر.
كانت معاكم هدى شبيري الخاقاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق