هل الإنسان أعظم خلق الله؟
١: قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70] هنا القرآن يقول بأنه مفضل على كثير من الخلق و لكن لم يحدد الجميع.
٢: قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30] هنا أيضا جعل الله الإنسان خليفة و حدده بالأرض و ليس خليفة الله في الكون.
٣: قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ و هنا حصرياً للانسان تسخير الأرض مع جميع السماوات بشهادة القرآن الكريم. أيضا أقول أن هذا لا يشمل الكون بأجمعه فالأرض و سماواتها السبعة ليست جميع ما خلق الله .
٤: ولعل الدليل الأكثر شمولًا ووضوحًا على عظمة مكانة الإنسان الكامل وعلوِّ مرتبته فوق جميع الملائكة، قوله تعالى:
﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)﴾
تأمل التعبير القرآني: "كلهم" ثم "أجمعون"؛ وهو تأكيد فوق تأكيد، يبيّن شمول أمر الله لكل الملائكة بالسجود، دون استثناءٍ لأيٍّ منهم، ما يثبت تفوّق الإنسان الكامل في مقامه الروحي والمعنوي على جميع الملائكة بلا استثناء.
إنتبه أن الملائكة هي أقرب خلق الله إليه و أعظمهم منزلة منه لقول الامام علي عليه السلام: ( وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك ، فليس فيهم فترة ، ولا عندهم غفلة ، ولا فيهم معصية ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك منك ، وأقرب خلقك إليك ، وأعلمهم بطاعتك ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ، ولم تتضمنهم الأرحام ، ولم تخلقهم من ماء مهين …) إلى آخر كلمات الامام عن الملائكة . و مع كل هذا القرب و العظمة جعلهم يسجدون جميعاً للانسان.
سؤال قد يُطرح في الذهن و هل السجود دليل على تفوق الإنسان على الملائكة؟
السجود في ذاته ليس مجرد حركة جسدية، و ليس القصد سجود عبادة، بل سجود تكريم وتقدير وتعظيم.
لذلك، نعم أرى أن السجود هنا هو بالفعل دليل واضح وقوي على علو المكانة، لأن هذا السجود صادر عن مخلوقات في قمة الطهارة والطاعة لله، وهي الملائكة الذين وصفهم القرآن بأوصاف الكمال والطاعة الخالصة، والإمام علي (ع) قال عنهم أنهم أقرب خلق الله إليه وأعلمهم به وأخوفهم منه.
لكن من المهم أيضًا أن نوضّح نقطتين دقيقتين:
النكتة الأولى : هذا السجود لا يعني تفوقًا مطلقًا من كل الجوانب، لكنه يشير بوضوح إلى جانب معيّن هو عظمة الإنسان الكامل من حيث الكمال الروحي والمعرفي لتعليم آدم الأسماء كلها للملائكة وقدرته على حمل الأمانة الإلهية مع جميع الشهوات و الحجب و عدم رؤية الجنة و النار و مع وجود الإرادة و العقل.
و أن هذه المنزلة العظيمة ليست لجميع البشر لقوله تعالى : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) و هنا الآية تشمل أغلب البشر مع الاسف. فهذه المنزلة الخاصة التي تستحق السجود مختصة بالرسول و أهل البيت و لعله لبعض الأنبياء العظماء كآدم و إبراهيم و من لا يعلمهم إلا الله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
فجيب الإنتباه أن الإنسان الكامل يختار طاعة الله بكامل إرادته رغم التحديات والاختبارات، أما الملائكة فاختيارهم قائم على وعي واضح وإرادة كاملة بدون وجود الشهوات والحاجات المادية التي تشكل حاجباً أمام الإنسان.
هنا أنا أضع الاستنتاج النهائي لك هل برأيك سجود الملائكة مع عظم مقامهم المذكور في القرآن الكريم و في كلمات الواردة عن أهل البيت و هم المدبرات أمرا لا نعلم للأرض و السماوات فقط أم لجميع الكون هل سجودهم هذا يدل هذا على أن الإنسان أعظم خلق الله على الكون أجمع؟
هدى شبيري الخاقاني